قرأت اليوم مقالاً عن “القسم المتفلت” من الجيش السوداني، والذي يقوده الملقب بـ”حميدتي”، والذي أعلن – أو بالأحرى توهّم – إنشاء ما أسماه بـ”حكومة السلام والوحدة”. مضحك ومبكٍ في آنٍ معًا، أن نسمع هذا المسمى من رجل دكّ العاصمة ودمر كل زاوية فيها، ثم يتحدث عن السلام وكأننا فقدنا ذاكرتنا الجماعية.

من المؤلم أن نسمع حديثاً عن السلام والوحدة من شخص عندما دخل العاصمة، لم يحفظ فيها شيئًا، بل تركها خرابًا، أرعب أهلها، وانتهك أمنها. لو كان السلام نيتك فعلاً، لكان بإمكانك الحفاظ عليه منذ البداية، دون إطلاق رصاصة، ودون تفلت مليشياتك، ودون إذلال المواطنين العُزّل.

ومن المضحك المبكي أيضاً أن تُتهم القوات المسلحة – وهي الحامية الأولى للبلد – بأنها انتهكت الأرض والعِرض، بينما نعلم جميعًا من الذي قتل أبناءنا في شهر رمضان، واغتصب نساءنا، ويتم أطفالنا، وروّع شوارعنا. أي “سلام” تتحدث عنه، وأي “وحدة”؟

نحن لسنا أغبياء لنُخدع بالشعارات الرنانة. رؤساء السودان، رغم اختلاف توجهاتهم عبر العقود، كانوا حين يقومون بانقلاب، لا يحملون سلاحهم ضد المدنيين، بل يتجهون للتلفزيون والقصر الجمهوري، ويحاولون أن يُظهروا صورة تحفظ شيئًا من هيبة الدولة وكرامة شعبها. أما ما رأيناه مؤخرًا، فهو لا يشبه الدولة، ولا يشبه الانقلابات، بل يشبه الغزو.

رئيس الدولة الحقيقي لا يكون قابعًا في ركام الخراب، بل يتحرك، يفاوض، يتحدث، يصارح شعبه، ويدافع عن أمنه لا عن أطماعه. أما أن تأتي لتتحدث عن أموال باليورو من أوروبا، فاعلم أن أوروبا نفسها منعت أي تحويلات مالية للسودان بسبب مخاوف أمنية. فهل تقصد أوروبا الحكومات؟ أم تقصد الداعمين السريين الذين يحلمون بكرسي على حساب دماء السودانيين؟

أنت لا تبني “حكومة سلام ووحدة”، بل تبني سلطة على جماجم الأبرياء. تريد أن تسلب ما تبقى من وطن سقاه الشهداء بدمائهم.

في النهاية، السلام لا يُفرض بالقوة، ولا يأتي على ظهور العربات المسلحة. السلام يُبنى بالعدل، والوحدة تنشأ من محبة الناس، لا من قهرهم.

Sudan: RSF Declare Rival Government

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here